U3F1ZWV6ZTM2OTAzOTA2MzQ1ODYwX0ZyZWUyMzI4MjE3NTIzNTUyOA==

المواسم الدينية ورهانات التنمية: نموذج موسم "الحاج عمرو" بواحة تودغى

 


محمد فقهي

يتميز المغرب عن غيره من مناطق العالم بموقعه الجغرافي الاستراتيجي كصلة وصل بين العديد من المناطق بحضاراتها المختلفة، إضافة إلى التنوع في التركيبة السكانية وفي المجالات ما بين الساحل والجبل والصحراء ... كل هذا جعله يتسم بغنى وتنوع تراثه اللامادي.

هذا الأخير، الذي تعرفه في اتفاقية عام 2003 لصون التراث الثقافي غير المادي: على أنه مجموعة من الممارسات والعروض وأشكال التعابير والمعارف والمهارات فضلا عن الأدوات والقطع والمشغولات الحرفية والأماكن الثقافية المتصلة بها، والتي تسلم بها الجماعات والمجموعات... وهذا التراث الذي تتناقله الأجيال من جيل إلى آخر، ودائما ما تعيد إبداعه الجماعات استجابة لبيئتها وتفاعلها مع الطبيعة ومع تاريخها، ويزودهم بإحساس بالهوية والاستمرارية.

ويتوفر المغرب على قائمة لليونيسكو للتراث الثقافي اللامادي، والتي منها على سيبل الذكر لا الحصر: موسم طانطان الذي سجل سنة 2005، وفضاء ساحة جامع الفنا بمراكش في سنة 2008، ثم مهرجان حب الملوك بمدينة صفرو سنة 2012... .

إن المغرب بفضل ما يتوفر عليه من المميزات السابقة الذكر، جعلته يزخر بتراث لامادي متنوع بتنوع المجالات، والتي من بينها الواحات التي تشكل أحد النطاقات الأربع الأساسية المكونة للمجال المغربي، كما تشكل %15 من التراب الوطني، هذا المجال الذي عرف تطور حضارة مزدهرة شكلت مكونا أساسيا لثقافة وتاريخ المغرب.

وتعتبر واحة تودغى بالجنوب الشرقي المغربي واحدة من الواحات التي تزخر بتراث لامادي متنوع، على غرار: اللباس التقليدي المميز لكل قبيلة من قبائلها، والتقاليد والاحتفالات والألعاب والأمثال ثم الأعياد الشعبية والدينية أو ما يسمى بالمواسم... هذه الأخيرة التي نجد من ضمها: موسم الوالي الصالح "الحاج عمرو" الذي ينعقد بقصر حارة المرابطين في الأسبوع الأول بعد عيد الأضحى من كل سنة على مدار ثلاثة أيام.

1-  لمحة تاريخية عن موسم الوالي الصالح "الحاج عمرو":

لا يمكن الحديث عن قصر حارة المرابطين بواحة تودغى دون الإشارة إلى موسم الوالي الصالح "الحاج عمرو" مؤسس الزاوية العمرية، الذي يقول عنه العلامة "محمد المختار السوسي": هو المولى "الحاج عمرو" الذي تنتسب إليه الأسرة من بعده، رحالة وعالم بارع في المنطق غيور على العلوم. حيث قدم من سوس وأسس هذه الزاوية خلال العهد السعدي في منتصف القرن التاسع الهجري (855هـ /1480م).


لقد شكلت هذه الزاوية مؤسسة علمية لتلقي العلوم، إلى جانب مهام أخرى كالقضاء... إذ كانت في السابق تختتم سنتها الدراسية بموسم ديني يقام في الأسبوع الأول بعد عيد الأضحى، ويفتتح يوم 17 من ذي الحجة ويختتم يوم 19 من نفس الشهر، وبالتالي كان موسما دينيا بامتياز.

 أما في الوقت الحاضر فقد اصطبغ هذا بالصبغة التجارية ويعتبر أبرز موسم بالواحة، حيث يشكل فرصة يغتنمها السكان المحليين وسكان المناطق المجاورة للتسوق واقتناء ما يحتاجون إليه.

فقد شكل هذا الموسم في السابق مجالا للتبادل التجاري بين القبائل حيث يمثل فرصة لقبائل الرحل لترويج ماشيتهم وفي نفس الوقت التزود بمنتوجات الواحة والبضائع المحلية. واليوم يحج إليه التجار من مناطق مختلفة من المغرب وبسلع متنوعة. ويتميز هذا الموسم كما جرت عليه العادة بحضور وفد رسمي لمشاركة السكان والزوار احتفالاتهم بذبح ثور وتلاوة آيات قرآنية بالضريح.

2-  موسم الوالي الصالح الحاج عمرو والتنمية المستدامة


يساهم هذا الموسم في التنمية المحلية وذلك على عدة مستويات رغم صبغته الدينية في الأصل، والتي لم تمنع من ظهور أنشطة موازية لهذا الموسم الديني، خاصة الأنشطة الاقتصادية ارتباطا بالرواج التجاري الذي يعرفه، ويمكن رصد الآثار التنموية لهذا الموسم من خلال ما يلي:

أولا: التنمية البيئية؛

تتميز واحة تودغى على غرار مثيلاتها بضعف مواردها لاسيما منها الموارد المائية، التي تكتسي أهمية كبرى باعتبارها أساس وجود الواحة والضامن لاستمراريتها، وهو الأمر الذي استدعى تنظيم توزيع مياه واد تودغى من العالية في اتجاه السافلة، حيث تستفيد كل منطقة أو مجموع مناطق من حصة من مياه الواد لسقي الأراضي الزراعية، ومنها المناطق المتواجدة بتودغى السفلى خاصة في فصل الشتاء. إلا أن ضعف صبيب الواد خاصة في فصل الصيف أو فترات الجفاف يجعل المناطق المتواجدة بالسالفة ومنها قصر حارة المرابطين لا تستفيد من مياه الواد نظرا لتعدد السدود التحويلية على طول الواد من جهة ثم ضعف الصبيب من جهة ثانية.

لكن بالرغم من هذه المعطيات فحارة المرابطين تستفيد إلى جانب حصتها في الدورة الشتوية البالغة ستة أيام من مياه الواد، فهي تستفيد كذلك من ثلاثة أيام من مياه الواد أثناء انعقاد الموسم من كل سنة وكيفما كان فصله سواء تزامن مع فصل الشتاء أو فصل الصيف، وهي بذلك تستفيد من هذه المياه خاصة وأن مساحة الأراضي الزراعية بهذا القصر شاسعة مقارنة بعالية الواحة –وفرة المياه وقلة الأراضي الزراعية– وهو الأمر الذي ينعكس إيجابا على النشاط الفلاحي بهذه المنطقة وبالتالي على حياة الساكنة المحلية.

ثانيا: التنمية الاقتصادية؛

لا تقتصر الآثار الإيجابية لموسم "الحاج عمرو" على المستوى البيئي فقط، بل تتعداه إلى المستوى الاقتصادي وذلك ارتباطا بالرواج التجاري الذي يواكب هذا الموسم، حيث تستقبل المنطقة إبان الموسم العديد من التجار من داخل وخارج الواحة، وكذا الزوار من شتى المناطق.

بل أكثر من ذلك فهذا الموسم يستقطب أصناف تجارية قلما تستقطبها الواحة وعلى رأسها تجارة الإبل التي تسوق خصيصا في هذا الموسم دون غيره بالواحة، إضافة إلى التأثير الكبير للموسم سوق الإثنين بمدينة تنغير الأكبر بالواحة حال تصادف أيام الموسم مع يوم الإثنين وذلك نظرا للمكانة التي يحظى بها الموسم.

في نفس الوقت الذي يشكل فيه الموسم فرصة للسكان المحليين لعرض بعض منتوجات الواحة مثل التمور ومنتوجات الصناعة التقليدية التي يشتهر بها قصر حارة المرابطين خاصة صناعة الفخار... الأمر الذي يوفر للساكنة المحلية دخلا موسميا مهما، دون إغفال المداخيل التي يوفرها الموسم فيما يتعلق بعائدات كراء السوق.

ثالثا: التنمية الاجتماعية؛

 تنعكس المستويات السابقة على الأوضاع الاجتماعية بشكل إيجابي، ذلك أن الاستفادة من مياه الواد في هذه البيئة القاحلة يكتسي أهمية قصوى لما له من انعكاسات إيجابية على الإنتاج والمردودية الزراعية، بالإضافة إلى أنه يمثل فرصة لتسويق المنتوجات المجالية ومنتوجات الصناعة التقليدية مما يساهم ولو بشكل نسبي في الحصول على مداخيل سنوية خلال أيام الموسم، الذي يوفر في ذات الوقت العديد من فرص عمل ولو بشكل مؤقت، خاصة تلك المتعلقة كراء المنازل والاشتغال في موقف السيارات ومحلات المأكولات الجاهزة أو حتى في قطاع المواصلات الذي يعرف إبان الموسم دينامية يقل نظيرها طوال السنة... لاسيما وأن الجماعة القروية تودغى السفلى المحتضنة للموسم تعتبر الأعلى في نسبة البطالة بين الجماعات الترابية المكونة للواحة بـ % 28.

انطلاقا مما سبق يتبين الدور المهم الذي يمكن أن يضطلع به التراث اللامادي في تحقيق التنمية المستدامة من خلال الارتكاز على أبعادها الثلاث المتمثلة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وهو ما ينطبق على موسم "الحاج عمرو".  الأمر الذي يحتم ضرورة الحفاظ على التراث اللامادي والعمل على ربط الأجيال السابقة بالأجيال الحاضرة، إضافة إلى إحياء الماضي والهوية كأساس قوي للمستقبل، خاصة مع زحف العولمة على الخصوصيات المحلية التي تهدد التراث اللامادي بالاندثار، وهو الذي يمكن استغلاله ليس فقط في إحياء الماضي وإنما أيضا كعامل جذب سياحي لاسيما ما يتعلق بالمواسم الاحتفالية والفلكلور الشعبي والأهازيج...

 


الببليوغرافيا:

 

o       سعيد رشيد: الهجرة وأثرها على العلاقات الاجتماعية بدوار حارة المرابطين- منطقة تنغير- بحث لنيل شهادة الإجازة في علم الاجتماع 1988-1989 الرباط،

o       محمد المختار السوسي وفيات الرسموكي –الرباط –مطبعة الساحة الطبعة 1 -1988 

o       منظمة اليونيسكو: اتفاقية عام 2003 لصون التراث الثقافي غير المادي،

o       موقع منظمة اليونيسكو:  http://ar.unesco.org/

o       المندوبية السامية للخطيط: الإحصاء العام للسكان والسكنى 2014

 

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة