U3F1ZWV6ZTM2OTAzOTA2MzQ1ODYwX0ZyZWUyMzI4MjE3NTIzNTUyOA==

ديناميكية المجال القروي - د :أحمد الكيحل - الفصل الثالث





مقدمة : المجال الريفي تقريبا ازيد من نصف سكان العالم، تتقلص نسبة سكانه تدريجيا لفائدة المجال الحضري (المدن). لكن بالمقابل تحتل المجالات القروية مساحات جغرافية مهمة بالمقارنة مع الحيز الحضري لهذه الأسباب ولسباب أخرى (تأهيل الاقتصاد القروي – نسبة الأمية)، تظل دراسة العالم القروي إحدى الانشغالات الرئيسية للجغرافيا عامة وللتهيئة الترابيية على وجه التحديد مثلا : 

- كيف تنظم المجالات القروية ؟

- ثم كيف يتم تدبير الموارد الطبيعية هذه ؟

- ثم ما هي انواع الاجابات عن اشكالات التنمية ؟ 

سنتناول هذا الموضوع من خلال المحاور التالية : 

· ما هي خصوصيات مقاربة المجال الريفي ؟

· تباين الوضعيات المرتبطة بالمجال القروي العام

· ماهي البعاد الاقتصادية والبيئية للمجال الريفي ؟

· خاتمة 

I. مميزات المجال القروي 

1- مجال الفلاحين : يشكل الفلاحون خصوصية المجال الريفي،لكن هذا لا يعني اختزال المجال القروي الراهن في مجموعة بشرية خاصة( الفلاحون) لأن المجال القروي الحالي جد متنوع ومتعدد يضم الحرفيين والتجار والعمال والمستثمرين والسكان الغير الريفيين من الحضريين(المدن). لكل هذه الاعتبارات لا تقتصر عند تحديد المجال الريفي على الفلاحة بالرغم من أن الفلاحين شكلوا وما زالوا العنصر الرئيسي في تشكيل وإنتاج المشاهد الريفية المختلفة .

2- التابث والمتحول في المجال الريفي : يتميز المجال الريفي كأي إنتاج بشري أو اجتماعي produit social بمظهريين متناقضين : الجمود والديناميكية (الحركية). تظهر عناصر الطبيعية والبشرية كالمناخ والتربة والتضاريس على أنها أشياء تابثة ومستقرة ، كما ان المنشآت البشرية التي شيدها الانسان كانت تتطور ببطء شديد،بل تم الحفاظ عليها عبر الأجيال المتلاحقة كالمعمار والسكن والطرق والمسالك ، وبالموازاة مع هذا نلاحظ تحولات عميقة ومتلاحقة في وقتنا الراهن أدت إلى محو وطمس الارث القديم بطريقة عنيفة أحيانا . لهذا تشكل دراسات التحولات السوسيومجالية وأسبابها ونتائجها أحد الرهانات وأحد الأسئلة المركزية للجغرافيا المعاصرة ولجغرافية إعداد التراب لقد ترتب عن التحولات العميقة للمجالات القروية نتائج مجالية اقتصادية واجتماعية وسياسية خارجية (كالسوق ) قد تكون قريبة أو بعيدة من الناحية الجغرافية 

ملحوظة : 




لذا نلاحظ ان بعض المناطق القروية تعرف ديناميكية قوية للأنشطة الاقتصادية المختلفة بما فيها الفلاحة ، وأخرى تعاني أزمات حادة غالبا ما يترجم التحولات في التنافسية بين الوحدات الترابية(علاقة بالسياسة = الجهة –الاقليم-الجماعة القروية ......)

II – تباين المجالات القروية

تندرج كل الأنشطة الاقتصادية بما فيها الفلاحة في إطار سوق دولي اصبحت تتخذ ابعادا جغرافية واقتصادية وسياسية ذات بعد كوني إلا أن هذه الأنشطة البشرية وديناميكية المجال لا تكتسي طابعا موحدا ومتجانسا حيث نجد فوارق بين المجالات القروية في العالم الثالث ومثيلاتها في العالم الصناعي المتقدم .

1 – المجالات الريفية بالبلدان الصناعية المتقدمة :

نلاحظ منذ بضعة عقود أن فلاحة البلدان الصناعية تعيش رجات قوية لم تعرفها من قبل تنتج بوفرة (النموذج الانتاجي)وبأقل مايمكن من الفلاحين، ثم أن وظائف المجال الريفي بهذه البلدان ما فتئت تتوسع وتتنوع ولو أن الفلاحة مازالت هي النشاط الرئيسين كما أن المجال القروي لم يعد يطابق المجال الفلاحي لأنه أصبح مجال انشطة متنوعة للترفيه وللصناعة وللنقل وللسكن لهذا تصبح مسالة تصنيف وتنميط المجالات الريفية مسألة ضرورية من الناحية المنهجية . 

2 – المجالات الريفية ببلدان العالم الثالث 

بينما كل بلدان الأقل تقدما نلاحظ أن المجالات الريفية توجد تحت وطأة الضغط الديمغرافي (له علاقة بالعرض والطلب)وكذلك تحت وطأة استعمال الموارد الطبيعية بطريقة استنزافية إذ يصبح من الضروري إنتاج المزيد من الموارد الفلاحية ولكن كيف ؟ (الموارد البشرية – التكنلوجيا – المال )

- هل بتوسيع المساحات الفلاحية ؟

- هل بتكثيف الانتاج ؟

- ثم بأي وسيلة ؟ 

الحلول والمقاربات المتبناة المتعددةن لكن النتيجة ولأن الزيادة في الانتاج الفلاحي لا تساير النمو الديمغرافي ( حسب الأمم المتحدة : اكبر عدد الفقراء في العالم يوجد بالعالم القروي). 

III – الأبعاد الاقتصادية والجغرافية والبيئية للمجال الريفي 

1- البعد الاقتصادي والجغرافي : شكل الاقتصاد العصري منذ انجاز الثورة الصناعية قطيعة في التوازنات بين المجالات القروية والحضرية يقول Jean françois ravel : " لقد شيدنا حضارة ترتكز على نقل واستعمال العلم والمعرفة لكن العلاقة بين المعارف والفعل البشري موزعة بشكل غير متكافئ أولا بين قطاعات النشاط وثانيا بين الأمم والشعوب، لكونها جعلت من المدن أقطاب التكنلوجيا ومجالات تراكم الرأسمال ومدن استقطاب ونواة لهيكلة المجال الجغرافي لكنالأرياف لم تحظ بنفس الاهتمام إذ ظلت وعاء للتقليد والجمود ترتب عن هذا تحويل المدن أو الحواضر إلى مراكز تتخذ فيها القرارات السياسية والاقتصادية وإلى عامل حاسم في تدبير وهيكلة المجال برمته . لكن هذا لا ينفي أن الريف بقي معزولا ومنغلقا على نفسه بل شكل مسرحا لتحولات عميقة على امتداد القرون الثلاثة الماضية استمدت هذه التحولات من ثلاث ظواهر مست العالم القروي بشكل متفاوت .

1-1- الثورة الفلاحية : تمثلت في إدخال تكنلوجيا ومعارف جديدة وموارد بشرية مؤهلة بالاضافة إلى تكثيف أساليب وأنصاب الآنتاج الفلاحي وكانت الثورة الفلاحية نتيجة للتصنيع بالدول الغنية وبفعل دخول الاستعمار في بداية الأمر في دول العالم الثالث . 

1-2- الإصلاحات الزراعية : هي عبارة عن سياسية عمومية إرادية ذات أهداف اقتصادية واجتماعية وسياسية واضحة كان الهدف منها : اصلاح البنيات الزراعية التقليدية عن طريق ترشيد هياكل الانتاج وعن طريق خلق بنيات زراعية عصرية تستجيب لحاجيات المجتمع والقتصاد.



1-3- السياسات الاجتماعية العمومية : لم يستفيد العلم القروي من نتائج التحديث غلا بطريقة جزئية و خاصة إذا قارناه بالمجال الحضري،لهذا تحول إلى مصدر لمشاكل إجتماعية واقتصادية وسياسية حادة ؛ولردم الهوة بين المجالين قامت الحكومات بنهج سياسة عمومية تهدف تدارك التأخر الحاصل في التجهيزات التحتية والاجتماعية والثقافية تدعى في المغرب فك العزلة عن العالم القروي تسمى الدعم الاقتصادي الاجتماعي وعن طريق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية . 

تميزت آليات التحول الثلاث هاته بوثيرة تطور متباينة وذلك حسب البلدان ، وحسب المناطق الجغرافية ؛ نتج عنها اختلالات مجالية واجتماعية واقتصادية حتى بداخل المجال القروي نفسه الشئ الذي حد من نتائجها الاقتصادية والاجتماعية بالاضافة إلى إلحاق الضرر بالبيئة الطبيعية.

2 - البعد البيئـــــــــــــي : 



تمثل عن النموذج التنموي المتبع.ترتب عنه سلسلة من الاختلالات البيئية، وتنامي احتجاجات الرأي العام ومساءلته لنماذج التنمية ولأنماط التسيير الاقتصادي ولأساليب التدبير السياسي للتراب ، وكذلك لآليات توزيع الدخل والثروات .كان وراء هذه الحركات الاحتجاجية مجموعة من الأسباب نذكر منها : 

- ازدياد حجم الاختلالات المجالية والاقتصادية مع بروز هوامش مجالية واجتماعية 









- ضعف استفادة غالبية السكان من الثروات الوطنية وفي مقدمتها سكان الأرياف

- التدهور البيئي : جراء التدبير الاستنزافي للموارد الطبيعية = الماء – التربة – الغابة (30 ألف هكتار سنويا من التدهور الغابة) – والبحر 

الكل يعلم الآن بأن المجال الجغرافي والموارد الطبيعية تتميز بالندرة ، الأول غير قابل للتمديد( أي المجال الجغرافي )، والثاني (الموارد الطبيعية) غير قابل للتجديد ؛ لهذا يجب استعمالهما بشكل يتلاءم والإمكانيات المتاحة أو ما يسمى بالتنمية المستدامة ن يحتم هذا على الفاعلين [ سياسيون(الدولة وهياكلها : البرلمان - الجهة .....) ، اقتصاديون ، اجتماعيون (المجتمع المدني ، أحزاب سياسية ، نقابات ، سكان ، ........] القيام بثورة ايكولوجية أو مايسميه François Lavel : التدبير الايكولوجي للمجال ؛ ويعني به : اتخاذ مجموعة من التدابير والإجراءات(تنظيمي – قانوني – ترفيهي )التي تساهم في الحفاظ على التنوع الايحيائي وتضمن انتاجية بيولوجية عالية من جهة وتستجيب للحاجيات الاجتماعية والثقافية للمجتمع لكن بكلفة اقتصادية منخفضة من جهة ثانية . انطلاقا من هذا المتطور(البيئي)ستلعب الخلايا الزراعية والمجالات الفلاحية والريفية دورا أساسيا نظرا لوظائفها المختلفة كمؤسسة للإنتاج(اقتصادية) وكمجال بيئي وكوحدات اقتصادية (الحيازة : وحدة اقتصادية ) يتم هذا في زمن تكتسي فيه المنتوجات الفلاحية والمبادلات التجارية قيمة استراتيجية العلاقات السياسية بين الأمم. إذ تشكل رهانات تتجاوز أحيانا كثيرة الإطار المحلي والوطني ، وعلى هذا الأساس ستشكل المجالات القروية والخلايا الزراعية أحد المكونات الجيوسياسية ,احد الأوراق الرابحة للدول التي تمتلكها .

خاتمـــــــــــــــــة :

يتميز المجال الريفي بضعف الكثافة السكانية، وبسيادة الأنشطة الزراعية والرعوية وببناء أنشطة اقتصادية جديدة ؛كما يتميز بالتوزيع الغير المتكافئ للموارد الطبيعية وبالهشاشة وبالتسيير والاستغلال غير الرشيد وغير الفعال للموارد وخاصة في المناطق التي يوجد فيها تدخل عنيف للسكان .



يواجه المجال الريفي عموما عددا من 

الرهانات والتحديات يجب التحكم فيها لمواجهة 

حالة التدهور البيئي الخطير الذي وصل حد 

القطيعة ونقطة اللارجوع في بعض المجالات 

الريفية ويأتي في مقدمة هذه الرهانات:

- الرهان الديمغرافي :وما يطرحه من مشاكل 

اقتصادية(الشغل- الصحة- التعليم)وعمرانية(السكن) 

وسياسيا،واجتماعيا.

- الرهان البيئي : المتمثل في التدبيرالأنجع للموارد الطبيعية(التنمية المستدامة (durabilité 

- الرهان الإقتصادي : المتمثل في تأهيل العالم القروي والرفع من مردودية مؤسسات الإدماج الفلاحي.

- الرهان البشري : يتعلق بتأهيل العنصر البشري عن طريق محاربة الأمية والفقر لأن تحصيل المعارف وتطويرها ومراكمتها ليعد السبيل الأنجع لتحقيق التنمية الشاملة .



مقدمة :

يتفق الدارسون على هيمنة الاقتصاد الحضري على الحياة الوطنية؛لهذا ينعتون القرن 20 بقرن المجتمع الصناعي الشيء الذي يعني تراجع دور اهمية المجال والاقتصاد الريفيين . وعلى الرغم من ذلك ما زالت المجالات الريفية تشغل بال أصحاب القرار ومختلف الفاعلين: الاقتصاديون{تدخل الدولة بالمغرب} والاجتماعيون والسياسيون في كل الأنظمة السياسية. يفسر هذا الاهتمام بالدور الاستراتيجي الذي يضطلع عليه القطاع الفلاحي في تحقيق ا :لأمن الغذائي( 35% غير منتجين في المغرب)وفي وزنه الديمغرافي؛ودوره في تقيق الشغل( 80-85% يشتغلون في الفلاحة)؛ويعود كذلك إلى طبيعة التحديات والرهانات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية التي يواجهها والتي تختلف باختلاف الأنظمة الاقتصادية والسيلسية وباختلاف المؤهلات الطبيعية والبشرية لكل بلد.

I. مقارنة منهجية للمجال الريفي 

1- التمييز بين الريفي والفلاحي (Rural et Agricole): تعتبر الأرياف مجالات فلاحية بالدرجة الأولى إذ تعد الأرياف نتاجا لمساهمات أجيال من الفلاحين الذين قاموا بتشكيل وبتغيير ملامح البنيات الزراعية والمشاهد الطبيعية الأصلية عن طريق الجهد والعناء لضمان البقاء والاستمرار أو لتسويق فائض الانتاج أحيانا .إذن لا يمكن تصور مجال ريفي بدون فلاحة إلا في الحالات القصوى أي في المجالات التي تعيش عزلة مطلقة كالصحاري القاحلة او البراري ؛ لا يوجد تطابق مطلق بين المجال الريفي والمجال الفلاحي يعود ذلك إلى استقرار أنشطة غير فلاحية منها من له علاقة مباشرة بحاجيات الفلاحة نفسها كالصناعات الغذائية(صناعة السكر؛الحليب؛قنوات......)والتجارة والحرف التقليدية ؛ ومنها من هو مستقل ومنها حالة بعض الصناعات والأنشطة الخدماتية الترفيهية ، ترتب عن هذا التوطين الجديد للأنشطة (الاقتصادية) بالمجال الريفي؛استقرار ساكنة مقيمة غير ريفية ؛تختلف نسبتها حسب مستوى التقدم الصناعي وحسب نسبة التمدين تكون هذه النسبة ضعيفة في البلدان الفقيرة ومهمة ومتنوعة بالدول الغنية والمصنعة .تتكون من جحافل العمال والموظفين والأطر والمتقاعدين الذين يتميزون بأنماط عيش وبسلوكات حضرية وهذا ما دفع الباحثين في المغرب إلى نفي طابع الترييف عن المجال القروي نتيجة لتشابه المحتوى الاجتماعي للمجالين نستنتج ما يلي : عند دراسة المجال الريفي لا يجب أن يقتصر تحليلنا على الفلاحة فقط ، رغم أنها تحتل مكانة أساسية بل يجب الاهتمام بمختلف الأنشطة والوظائف التي يقوم بها المجال الريفي سواء كانت صناعية أو تجارية أو خدماتية ..............

2- كيف نقارب المجال الريفي : تتنوع المقاربات المتعلقة بالمجال الريفي؛هناك من تعتمد الملاحظة والوصف .يعد هذا التيار من الشغوفين والمهوسين بكل ما هو مرئي : وصف المشاهد الزراعية(مفتوح؛مغلق.....)والريفية وتصنيفها ومقارنتها انطلاقا من هندسة الحقول والطرق وشكل السكن(متفرق؛متجمع....) تدعى هذه المدرسة : مدرسة المشهد . وهناك تيار آخر يعتمد على تحليل أنظمة الاستنتاج الفلاحي كالتي تعتمد زراعة الحبوب أو التي تدمج الزراعة والرعي أو الأنظمة المتخصصة (الرعي- الزراعة) لا شك أن هذه المقاربات جد مهمة من الناحية المنهجية لكنها غير كافية إذا كانت على شكل تقارير تصف حالة أو واقع هذه الأمكنة لأن المنهج العلمي ليقتصر فقط على الوصف بل يتعداه إلى التحليل والتفسير والاستشراف ثم إن الظواهر المرئية لتسمح بالكشف عن العلاقات الخفية والعميقة التي تتحكم في البنيات الاقتصادية والاجتماعية للمجال كما ان الملاحظات الميدانية المجردة لا يمكن القيام بها إلا انطلاقا من مقياس جد محدود . بل بينما لا يمكن تصور البحث الجغرافي إلا انطلاقا من مقاييس متعددة تبدأ بمشارة الاستغلال (أصغر وحدة المجال) ؛ وتنتهي بمقياس ذو بعد وطني ودولي لكن مهما تعددت مقاييس الدراسة ومهما تعقدت الأسباب التي تتحكم في المجال الريفي ،ومهما تعددت المناهج لا بد من استحضار ثلاثة(3)عناصر اساسية أثناء وصف وتحديد المجال الريفي وهي : أ- الوسط الطبيعي (موارد الوسط) :وجود الماء يختلف عن عدم وجوده ؛وكذلك المعادن ...... / ب- الارث التاريخي (قوة ودرجة تاريخ... / ج- الفاعلون الاقتصاديون والاجتماعيون والسياسيون 

2-1- الموارد الطبيعية : تعتبر الطبيعة من مناخ وتربة وتضاريس من العوامل المحددة للنشاط الفلاحي إذ تختلف المردودية الفلاحية فوق تربة اللوس بحوض باريس وتربة تشرونيوزيوم chernozems بأوكرانيا عن التربة الحديدية المدارية او فوق تربة البودزول PODZOLS في الطايغا . كما تختلف المجالات الزراعية حسب الرستاق الطبيعي(حسب الأوساط الطبيعية) . هناك مزروعات خاصة بالبحر الأبيض المتوسط وهناك مزروعات خاصة بالمجالات المدارية والاستوائية أو المعتدلة . لا يجادل أحد في كون أنظمة الانتاج والاقتصاد الفلاحي عموما تحددهما مؤهلات وإكراهات الوسط الطبيعي ؛ وإلا كيف يفسر الاختلاف الكبير للمشاهد الريفية في العالم . 

2-2- الارث التاريخي  طبعت الحضارات المتلاحقة للمجال الريفي وذلك بتشكيله وإعادة تشكيله لدرجة أن الأجيال المتلاحقة لم تستطع طمس الهياكل والمنشآت التي خلفتها الحقب السابقة . - من منا لا يلاحظ هندسة الحقول ؛ وأشكال السكن الموروثة عن قرون خلت – من منا لا يستطيع نكران أنواع الملكية وعادات وتقنيات الاستغلال العتيقة – من منا لا يجادل في العقول المحافظة للفلاحين المتمسكة بقيم ووصفات الماضي والمقاومة لكل تجديد أثناء القيام بأي إصلاح زراعي أو تحديث للمجال الريفي .

2-3- دور الفاعلين الاقتصاديين والسياسيين والاجتماعيين : Les acteurs يؤثر الفاعلون الاقتصاديون والسياسيون والاجتماعيون على المجال الريفي بشكل غير متساو ؛ هناك قرارات يومية يتخذها السكان الريفيون تتمثل في تحديد المجالين الزراعي والرعوي ؛ وفي اختيار المزروعات؛وأنظمة الانتاج والاستغلال ...الخ. ينتج عن هذا تشكيل وتعديل لبنيات وملامح المجال القروي، لكن هناك قرارات أهم يتخذها بعض الفاعلين يكون له تأثير أعمق في المجال، وتحدث تغييرا جدريا في البنيات الاجتماعية والاقتصادية والمجالية كالتي تتخذها الطبقة السياسية المتمثلة في الدولة وأجهزتها المختلفة(المنتخبون – والمستثمرون الكبار). يتمتع هؤلاء بالقدرة على تمويل المشاريع الضخمة المهيكلة للمجتمع وللمجال . يتكون هؤلاء من الدولة التي تعد الفاعل الاقتصادي رقم 1 بدول العالم الثالث ؛ وكذلك من الخواص يتعلق الأمر هنا باستثمارات ثقيلة وبإدخال ابتكارات جديدة تتعلق بالمكننة وباستعمال الأساليب التقنية والعلمية الجديدة والقيام بإجراءات وتدابير تنظيمية وقانونية وتمويلية تسهر الدولة على تعميمها على كافة التراب الريفي . لاتعيش المجالات الريفية الراهنة في عزلة تامة ؛وإنما في اتصال وطيد مع بقية المجالات الجهوية والوطنية والدولية .

نستخلص من هذا ان الديناميكيات القروية لا يكون 

مصدرها العوامل الداخلية المحلية فقط ،إذ نلاحظ أن التأثيرات 

والقراراتالحاسمة يكون مصدرها المدن العملاقة والشركات 

الصناعية والرأسمال الصناعي الغذائي والمؤسسات البنكية الدولية ؛ يكون لهذا انعكاسات مباشرة على الهياكل الزراعية وعلى أنظمة الانتاج ؛ وعلى اساليب العمل في الفلاحة ،نسوق في هذا الصدد بعض الأمثلة : 

- السياسة الفلاحية الموحدة لأوربا ونتائجها على أوربا والعالم .

- ارتباط وخضوع زراعات المغروسات الموجهة للدول الغنية بالسوق الدولية ؛لاتخرج الاصلاحات الزراعية في العالم الثالث عن هذه القاعدة لارتباطها بالمؤسسات الدولية من حيث التمويل(financement)والتموين(approvisionnement)والتكنولوجيا . 

استنتاج عام : تساهم كل العوامل الخارجية والداخلية (وطني – محلي)في تعديل وتغيير ملامح المجالات الريفية .هذه الجدلية بين العوامل المحلية والكونية تعتبر اساسية في معرفة ومقاربة المجال الجغرافي عموما والمجال القروي على وجه التحديد لهذا يجب استحضارها باستمرار أثناء الدراسة .

II - ضرورة وعي التحولات التي تطرأ على المجال الريفي

يشكل المجال القروي موضوعا للبحث نظرا لأهميته الجغرافية والاقتصادية ونظرا للديناميكية التي يعرفها على المستوى الاقتصادي وعلى المستوى الديمغرافي ؛وعلى مستوى كثافة التفاعلات والعلاقات التي يحيكها مع المجالات الأخرى الوطنية والدولية .

1- تداخل وتفاعل المجالات الجغرافية فيما بينها : يعرف المجال الجغرافي وثيرة سريعة ؛هذه الديناميكية لا تستثني العالم القروي الذي ظل مستقرا وثابتا لمدة طويلة ؛ بالأمس (القرون الماضية) كانت القوة والوضوح التي تميز المجالات الريفية تقوم على الجمود والركود النسبي وبطء التطور . لقد كان من السهل معرفة هذه المجالات من الداخل [عوامل داخلية حاسمة حيث مثلا وجود الأرض والسكان الغابة يؤدي إلى انتاج نشاط فلاحي معين هذا قديما /عكس النشاط العصري حيث تدخل عوامل خارجية كالدولة مثلاوالتكنولوجيا والرأساميل] نظرا لعزلتها وانغلاقها وضيقها النسبي لأنها كانت تترجم توازنا دقيقا تتفاعل فيه العوامل التاريخية والعادات والظروف الطبيعية [مناطق جافة = نمط الترحال / مناطق خصبة + وجود الماء = استقرار ........]. لم تختف هذه التفاعلات بعد لأنها ما زالت موجودة ومؤثرة { توزيع الأمطار في المناطق البورية ما زال مؤثرا لكن هناك عوامل التدخل } لكن بالمقابل ظهرت آليات أخرى جديدة غير واضحة وغير ملموسة وجد معقدة ولكنها حاسمة . إذن نحن أمام واقع ريفي كان يتميز بالاستقرار النسبي وبديمومة العلاقات لكنه يعرف تحولا سريعا تحت ضغط وغزو التكنولوجيا ونتائج استعمال البحث العلمي ؛ وعولمة الرأسمال وسياسة الاصلاح الزراعي ؛وظاهرة التمدين وتغييرأنماط العيش . ترتب عن هذا انفتاح كبير للمجالات الجغرافية وتكثيف للعلاقات الاقتصادية فيما بين الوحدات الترابية سواء كانت وطنية أو دولية .

2- الظاهرة الحضرية وانعكاساتها على الأرياف اعتقد الجميع أن ظاهرة التمدين ستعطي ضربة قاضية للدراسات الريفية ؛وستؤدي إلى التقليل من أهميتها ؛ وذلك نظرا للأسباب التالية : - - النمو المتواصل لسكان المدن ( %97 سكان المدن بالولايات المتحدة الأمريكية و%3 سكان البوادي ) 

- الوزن السياسي والاقتصادي الذي اكتسبته المدن في وقت قصير.

- النفود المتزايد الذي تمارسه المدن على الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية اليومية للأرياف .

لكل هذه الحيثيات ؛احتلت جغرافية المدن الريادة من حيث عدد المؤلفات ؛ أكثر من هذا أن الدراسات المتعلقة بالمجال الحضري تتعدى الحيز الجغرافي الذي تحتله المدينة ليشمل حتى المجال الريفي .

لا نريد هنا خلق نزاع بين الباحثين في الأرياف وفي المدن الذي من شأنه حصر أفقي وتضييق طرق البحث في الجغرافيا ؛ وإنما نريد بكل بساطة تنبيه الباحث في جغرافية الأرياف ألا يحصر الدراسات الريفية والفلاحية قي مجال يضيق باستمرار ؛لأن الاشكالية الجغرافية الراهنة تفرض مساهمة المهتمين في كلا التخصصين .وهذا يعني أن دراسة التراب يجب أن تكون شاملة وغير مفككة كما يحدث الآن .إذ لا يمكن فهم الواقع الحالي إلا انطلاقا من المجالين معا.

ونتساءل هنا : - كيف يمكن وصف وتحليل الواقع الريفي دون معرفة دقيقة للقوة الاقتصادية للمدن ؛ ولشبكات التاثير ( Réseaux d’influence ( الوطنية والدولية ؟

لكن هذا لا يعني أن التغييروالتحول في حياة الأرياف مرتبط فقط بالظاهرة الحضرية ؛ وإنما يرتبط كذلك بالإمكانات والمؤهلات والإكراهات الذاتية للأوساط الريفية نفسها. 

3- تراجع محسوس لسكان الأرياف يشكل سكان الأرياف نسبة %55 من سكان العالم ؛ يقدر عددهم بحوالي 3 مليار نسمة .يتطور العدد بحوالي 35 مليون نسمة في السنة .لكن نسبتهم ما فتئت تتراجع بالمقارنة مع سكان المدن ؛ كما يبرز ذلك الجدول 


انتقلت هذه النسبة في المغرب من 92 % في بداية القرن الماضي عن 45 % سنة 2004 . وتتنبأ الاسقاطات المستقبلية أن عدد سكان المدن سيتضاعف بمرتين بالمقارنة مع سكان الأرياف خلال القرن 21.

يتوزع سكان الأرياف بشكل متباين .يعيش أربعة أفراد(4) من أصل خمسة(5)من مجموع السكان بالوسط القروي بدول العالم الثالث .إذ تتراوح نسبتهم ما بين 60 و 80 % من مجموع السكان باستثناء قارة امريكا الجنوبية . تشكل بعض أرياف العالم الثالث خزانا احتياطيا بسبب الزيادة الطبيعية المرتفعة ؛ وبسبب وجود حضارات ريفية قديمة (جنوب شرق آسيا)؛ وبسبب ضعف الاصلاحات وهي حالة بلدان افريقيا .تتكون الساكنة الريفية في مجملها من الفلاحين بنسبة 80 % .

على العكس من ذلك عرفت الدول الصناعية انخفاضا مسترسلا لنسبة الريفيين وذلك منذ منتصف القرن 19 ، يرجع ذلك إلى الزيادة الطبيعية السلبية (كل امرأة تلد أقل من المعدل: 1) والمتمثلة في ضعف معامل الخصوبة ( 0.7 % -اسبانيا –ايطاليا .....) ، وإلى الهجرة القروية القوية ؛ ويمثل الريفيون في هذه البلدان ما بين 3 و 25 % من السكان . لكن المثير للانتباه هو أن التركيبة الاجتماعية لسكان الأرياف تتشابه مع تركيبة مجموع سكان البلدان الصناعية . حيث لا يشكل الفلاحون إلا نسبة قليلة مقارنة مع العمال والموظفين والأطر والمتقاعدين .....

خلاصـــــــــــــة : 

أدت الآليات المرتبطة بالتكنولوجيا والمعرفة والاقتصاد والسياسة إلى انفجار وانفتاح المجالات الريفية وإلى زيادة التفاعل في ما بين هذه المجالات . لهذه الأسباب لا يتمتع الباحث في جغرافية الأرياف بوضع مريح كملاحظ لعالم شبه مستقر ؛فهو مطالب بتكييف أدواته ومناهجه مع حجم وعمق التحولات . وبهذه الطريقة سيعيد النظر في {مفاهيمه وأدواته ومناهجه } مقاربته لمجال متحول باستمرار .



 المجال الريفي التقليدي

مظاهره وخصائصه

مقدمة : 

تميز المجال القروي التقليدي خلال تاريخه الطويل بالانغلاق 

والتقليد ؛لكن شكل الحيز الأكبر من المجال الجغرافي،سواء 

من الناحية المساحية أو الاقتصادية أو السياسية و الديمغرافية 

إلى غاية الثورة الصناعية في أوربا وإلى غاية دخول الاستعمار 

في بلدان دول العالم الثالث. كان يضم الغالبية المطلقة من السكان 

الذين يعيشون من العمل فوق الأرض ،يمارسون الأنشطة الفلاحية 

و حرفية بواسطة أساليب تقليدية وعتيقة ضعيفة المردودية؛ وذلك 

بسبب خضوع المجتمع والمجال الريفيين لنوعية من المشاكل الهيكلية المزمنة : 

أولهمــــــا : ظهور واكراهات الأوساط الطبيعية ؛وإيقاعاتها غير المنظمة في علاقتهما مع ضعف القوى المنتجة ؛وضعف التنظيمات الاجتماعية .

ثانيهمــــا : الاقتطاعات الضريبية المفروضة على الفلاحين من طرف النظام الفيودالي بأوربا؛وبأمريكا الجنوبية ، ومن طرف النظام الاقطاعي في افريقيا وآسيا . 

لهذا ظهرت هياكل المجال الريفي كشيء ثابت و جازم لقرون طويلة من الزمن . هذه العوامل المشتركة على الأقل للنظام الفيودالي إكراهات طبيعة المجال هي التي هيكلت المجتمع القروي؛ وجعلتها تتقاسم نفس الخصائص مهما كان اختلاف السياقات التاريخية أو المعطيات الجغرافية . 

I- مميزات المجال الريفي التقليدي 

1. رتبات المشهد الريفي : يظهر أن الحياة الريفية تميزت باستمرار نفس هياكله ؛ ونفس المشاهد الفلاحية ؛ ونفس العادات ،معناه أن هناك نظام أزلي للحقول ordre eternel des champs)) ( مثلا الدورات الزراعية في المشاهد وذلك من خلال كل الحقب التاريخية) في مجال شبه جامد وساكن . هذه الصورة ترددت في كل الدراسات التي تناولت المجال القروي إلى غاية النصف الاول من القرن 20 ، وتجدر الاشارة هنا إلى أن كل الفلاحين في العالم عاشوا نفس التجربة رغم اختلاف الوضعيات التاريخية والجغرافية . إذن ما هي المعطيات الاقتصادية والجغرافية التي تحكمت في وجود الفلاحين عبر العالم ؛وشكلت القاسم المشترك في ما بينهما ؟ لكن هنا لا بد من التنبيه إلى ما يلي : لا يجب أن نصور حياة وعمل الفلاحين بالجمود المطلق ، فقد وقعت في كل الأزمنة إدخال التغييرات التدريجية على السيرورة الأساسية للحياة الفلاحية ، والدليل على ذلك يتمثل في التغييرات والتعديلات التي أدخلها المجتمع على وسائل الانتاج بدءا من : - اكتشاف المحراث؛ والعجلة؛ وتدجين الحيوانات ، وابتكار الدورات والأنظمة الزراعية؛ والعقارية إلى المحرك الانفجاري إبان الثورة الصناعية . 

2. الارتباط الوثيق للفلاحة بالإيقاعات الطبيعية : خضع الاقتصاد الفلاحي والحياة الاجتماعية للجماعات الفلاحية للمحددات الطبيعية من التضاريس ؛ وتعاقب الفصول ؛ولكميات التساقطات ؛ وكيفية توزيعها ؛ وللبرودة القاسية ؛والحرارة المفرطة أي بتعاقب فترات مختلفة .شكلت الضابط لوثيرة الاشغال والمتحكم في رزنامات العمل (agenda) فوق الأرض المفروض حتما على الجماعة .

3. القاعدة العقارية للنشاط الفلاحي : اكتست الملكية العقارية أهمية حيوية خلال التاريخ الفلاحي الطويل نظرا لأهميتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية . اعتبرت أهم عامل الانتاج على الاطلاق بعد العوامل الطبيعية ؛ وقد اتخذ النظام العقاري أشكال متعددة حسب الظروف الطبيعية ؛ والقدرات التقنية للجماعة التقليدية . وفي هذا الصدد لا بد من التمييز بين نوعين من الملكية :

3-1 - الملكية : تكتسي معنى تجريديا أي معرفة من له الحق في الأرض ؛ وتعطي لصاحبها ثلاثة حقوق(3) : - حق الاستعمال – حق الانتفاع – و حق التفويت . 

3-1-1 الملكية الجماعية : 


منظمة وفق قانون أسمى ؛يعطي للجماعة سواء كانت قبيلة ؛او فخذة ؛ أو دوار الحق في تملك الأرض بشكل جماعي ؛ وتوزيعها بشكل دوري على العائلات . هذا النوع من التملك هو الذي كان سائدا ؛عرفته الأقوام الجرمانية السلافية ؛ وكذلك افريقيا السوداء ؛ والهنود الحمر بأمريكا الجنوبية ؛ وشمال افريقيا . 

3-2-2 الملكية الفردية : 

سادت فوق الأراضي الزراعية والأراضي المسقية ، كانت محدودة جدا من الناحية الجغرافية ؛تعزز وجودها منذ تطبيق القانون الروماني ؛لكنها ترسخت أكثر بواسطة التحفيظ العقاري (نظام رأسمالي بورجوازي = قانون نابليون لأنه طبق من طرف نابليون لصالح البورجوازية) .عندما يكون المالك هو المستغل الفعلي للأرض ؛يكون هناك تطابق تام بين الملكية والحيازة(المالك = المستغل )نسمي هذا استغلالا مباشرا .وعندما لا يكون المستغل هو المالك الفعلي للأرض نسمي هذا استغلالا غير مباشر .

3-2- الحيازة الفلاحية : 

عبارة عن مساحة من الأرض سواء كانت : ملكا (رسم عقاري) ؛أو انتفاعا ؛أو كراء . وهي كذلك وسائل وأدوات الانتاج الأخرى. يقوم المستغل بتوظيفها للحصول على الانتاج الفلاحي .

تعتبر الخلية الأساسية للنشاط الفلاحي وللحياة الريفية ؛ كما تشكل واقعا اقتصاديا واجتماعيا باعتبارها إطارا لحياة عائلة فلاحية .

كانت الحيازة في المجتمع التقليدي مرادفا للملكية إلا في الحالات الاستثنائية ؛ وكانت تتميز بعدة خصائص نذكر منها : 

- ضعف الرأسمال العقاري والتقني ؛لا تتعدى بعض الهكتارات ؛ تقنيات الانتاج متواضعة 

- قوة العمل الضعيفة تقتصر عللى أفراد العائلة 

- ضعف الانتاج ،تنتج الاكتفاء الذاتي . بمعنى أن البضائع التي ينتجها الفلاح تكون لها قيمة استعمالية ؛ وليست قيمة تبادلية ( أكثر 5/4 من الانتاج يستغلها الفلاح ويستهلكه) .  

الفلاحة هي استعمال المعطيات الطبيعية من طرف الانسان . في البدء كان تطورا طبيعيا للنبات والحيوانات يشكل أجمل هدية منحت للانسان بمعنى أن حصة كبيرة من المنتجات الفلاحية يحصل عليها الإنسان بواسطة القطف أو القنص وذلك بالمجان تقريبا إلا أن الطبيعة بإيقاعاتها المختلفة فرضت على الإنسان احترام إكراهاتها ؛ ومن هنا جاء تأمل الإنسان في وضعية المناخ ؛ وأشكال سطح الأرض ومدى ملائمتها لحاجيات الأساسية . كل هذا شكل اساس تدخله في الطبيعة وذلك بابتكار الأنظمة الفلاحية .

4-1- تطور بطئ للأنظمة الفلاحية : 

لقد اكتشف الإنسان منذ ملايين السنين كيف يعدل ويحسن الأصناف النباتية والحيوانية ، وكيف ينتج أخرى جديدة ، وكيف يكيفها ويلائمها مع معطيات الأوساط الطبيعية .

ابتكار هذا المركب المكون من عناصر الطبيعة ح ومن التراكم التدريجي للعادات الثقافية ؛ وللتقنيات الفلاحية عبر التاريخ ، وهو ما يسميه الجغارفة : النظام الفلاحي أو نظام الاستغلال أو نظام استعمال الأرض أو نظام الانتاج الغذائي . يقوم فيه الفلاح بتنسيق عوامل الانتاج المختلفة من يد عاملة ؛ والرض (تربة)؛ ومن أدوات بسيطة .

لقد قام الانسان خلال تاريخه الطويل بإدخال التحسينات على الأنظمة الفلاحية ؛ كان يهدف من ورائها : - الزيادة في كمية الانتاج الفلاحي و – التقليص من أعباء العمل فوق الأرض . وذلك بقصد استمرار وبقاء الجنس البشري ؛ والدليل على ذلك هو الانتقال التدريجي من استعمال الطاقة البشرية إلى الحيوانية إلى الحيوانية (التدجين) إلى الطاقة الميكانيكية . لقد كان تطور الأنظمة الفلاحية ثقيلا وبطيئا وغير منتظم في الزمان والمكان . وهذا ما لا يدركه المعاصرون وخاصة سكان المدن حيث وثيرة التغيير تتم بسرعة فائقة ؛ ويظهر مركب الانتاج هذا بسيطا في مظهره ولكنه جد معقد يترجم عبقرية الانسان القديم لكونه تطلب أجيالا للتأكد من ملائمة واختبار نجاعته الاقتصادية ؛ نستدل على ذلك بالمثال التالي : هل يمكن اعتبار الانتاج الفلاحي شيئا معزولا ؟ هل يتم مثلا إنتاج معينا ظ كالقمح مثلا او الأرز أو الحليب في أوراش متخصصة كما هو الحال الآن . 

ولكن يتم إنتاج ذلك في فلاحة متعددة المحاصيل ( تخصصpolyculture )/ monoculture) ( منظمة وفق بنيات معقدة ؛ يقوم فيها الفلاح بتوزيع الأرض على مزروعات متعددة تبعا لمؤهلات التربة (خصائص عضوية – مخبرية - وتحديد نوع التربة لكل نوع زراعي ) ؛والسطح وعناصر المناخ. لقد علمت التجربة الفلاحية قبل اكتشاف النظرية الكيماوية في القرن 19(تحويل المخصبات إلى الآزوت) أن تكرار مزروع معين يستنزف التربة ؛ وأن إدماج الزراعة وتربية الماشية من شأنه ضمان مردودية اقتصادية للحيازة كما يؤكد ذلك القول المأثور التالي : 

" إذا أردت أن تقوم بزراعة الحبوب عليك بتربية الماشية " 

" si tu veux faire du blé ,fais du boeuf " 

4-2- مميزات الأنظمة الزراعية التقليدية : يمكن تلخيصها في أربع مميزات 

4 -2-1- اقتصاد التبذير والعجز : الطابع العام لهذه الأنظمة هو سوء استعمال عوامل الانتاج المتمثل في ضياع الطاقات والموارد كسوء وضعف استعمال القوى المنتجة ( التشغيل – الأرض – الماء – السقي )من السهل تفسير ذلك ( عجز الاقتصاد) لقسوة الطبيعة التي غالبا ما تكون كذلك ؛ ولكن الواقع يكمن في عجز السكان ؛ وضعف مستواهم التقني . 

4-2-2- بنية اقتصادية واجتماعية تدور في حلقة الفقر : ( الفقر ينتج الفقر) ترتبط الفلاحة المعاشية ببعض الأنظمة الاجتماعية أي أنها تتطابق والعائلة الأبوية ،هذه الأخيرة تمنح كل مبادرة لتحسين شروط وظروف الانتاج بالنسبة لهذه الجماعات ، انتاج أكثر من اللازم وهو شيء غير مرغوب فيه . لكن الجماعات التي تهدف إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي فقط لا تحصل إلا على العجز المزمن . لكن بنية حلقات الفقر كانت تفسر بالحتمية الطبيعية وبضعف المستوى التقني للمجتمعات التقليدية . 

4-2-3- فلاحة مقلالة (مردودية ضعيفة) متعددة المحاصيل : يقوم فيها الفلاح بالتحايل على الطبيعة ؛ يمارس فيها تناوبا ثنائيا أو ثلاثيا ( بكري – مزوزي – برنيشة = استراحة ) يتمركز على المزروعات البكرية والمزوزية واستراحة الأرض . لا يتعدى المردود بعض القناطر في الهكتار الواحد ، مثلا : بقرة حلوب تنتج نصف ½ لترا من الحليب في اليوم أي تقريبا 100 لترا .

4-2-4- ضعف وسائل الانتاج : لا تتعدى المساحات الملكية 5 هكتارات ؛ تتكون اليد العاملة من أفراد الأسرة ؛الطاقة مكونة من حيوانات الجر ، النتيجة هي ضعف الانتاج . إلا أن في القرن 19 ؛ عرف سرعة فائقة في ميدان الابتكارات الفلاحية حيث تم استبدال وتعويض المناهج التجريبية(ما اكتسبه الفلاح من تجارب عبر الاحتكاك بالطبيعة والفلاحة بصفة عامة) بمناهج نظامية علمية تتعلق بالأمراض والطفيليات ، كانت أهم نتيجة مباشرة لها هي تراجع الضغوط الطبيعية ، وازدياد الفعل البشري المتجسد في تحسين الخصائص الأصلية للأصناف الطبيعية ؛ والرفع من الانتاج الفلاحي . 

II. التضامن والتكافل قوام المجتمع التقليدي



1- روابط التضامن : تتجلى في عدة مظاهر لعل أهمها هو : 

1-1- مشكل السكن : يتخذ غالبا شكلا متجمعا في كل الحضارات الريفية رغم النزاعات فإن الاحساس بالانتماء لنفس الخلية الأساسية سواء كانتقبيلة أو فخذة(جزء من القبيلة) ؛ أو دوار في مواجهة المجموعات البشرية المجاورة (العصبية القبلية) .

1-2- العمل الجماعي : 



الاقطاع هوالذي أحدث التويزة 

التويزة لها مظهران : التويزة السخرة corvée 

التويزة التكافل 








العمل الجماعي مازال حيا وراسخا في الذاكرة القروية ؛ يشكل بجانب الملكية الزراعية والرعوية والغابوية ( الحطب – الوحيش – الثمار ) قاعدة الحياة الجماعية . استمر العمل به حتى في المجتمعات التي عرفت الملكية الفردية لوسائل الانتاج ، يتجلى ذلك في التعاضد والتضامن بين أفراد الأسرة ؛ العائلة ؛والدوار ؛والقبيلة عن طريق الاستعمال الجماعي لأدوات الانتاج الزراعي في الرعي ؛ وأشغال الحرث والحصاد وصيانة السواقي والحراسة .

1-3- الانتماء لنفس الثقافة ولنفس العادات : تتكرر نفس الصورة ؛ ونفس الرموز سواء في المسرات أي الأفراح أو الأقراح .

2- الانتماء لمجتمع موسع : لا يمكن اعتبار مجموع العائلات الفلاحية والجماعات القروية كوحدات مغلقة بدون تواصل أو اتصال مع العالم الخارجي عكس الجماعات البدائية المتوحشة . بل تقوم بنسج علاقات إنسانية وترابية مع جيرانها وحتى مع الحواضر المجاورة إن كان بشكل محدد ؛ والدليل على ذلك هو العلاقات الراسخة بين سكان المدن العتيقة ومناطقها الخلفية ؛ وبين سكان السهول والجبال في المغرب وذلك عبر التاريخ . 

1. الاصلاحات الزراعية الاشتراكية : تستمد من الناحية الفكرية على الايديولوجية الاشتراكية ؛ يعتبر دعاة هذه المرجعية : أن الملكية الفردية أو الخاصة هي المسؤولة عن التناقضات والمشاكل الاجتماعية . لهذا يجب تصنيفها وتعويضها بواسطة مقاولات فلاحية مؤممة Nationalisé في ملكية الدولة وبواسطة كذلك التعاونيات الاشتراكية يُجْبر فيها الفلاحون على تسليم إنتاجهم لإدارة التعاونية ؛ وستجد المسألة الاجتماعية الحل حسب هذه العقيدة ( المرجعية – أو – الايديولوجية ) في تأميم وسائل الانتاج ( أو عوامل الانتاج ) والعمل الجماعي . أمــــــــــــا التخلــــــــــف الاقتصــــــــــادي و التـــــــــأخر الفــــــــــــلاحــــــــــــــي المتمثل في استعمال الوسائل والأساليب العتيقة فستتم معالجته عن طريق نهج سياسة التصنيع التي ترتكز على شركات الدولة ؛ ونظام التأجير . يكون الهدف السياسي المنشود من هذه الاجراءات هو تحطيم الهياكل القديمة ؛ وتأسيس أخرى جديدة عن طريق إقامة نظام سياسي اقتصادي اجتماعي جديد يقوم على نزع الملكية بدون تعويض أصحابها ، وإعادة توزيعها في إطار ضيعات في ملكية الدولة .

I- الادماج المتزايد للفلاحة في اقتصاد السوق 

يتضح من خلال تقييم وتتبع الاصلاحات الزراعية المنجزة في العالم الثالث الارتباط القوي لاقتصادها سواء الفلاحي أو الصناعي أو الغذائي بدرجة أكبر بالمؤسسات المالية الدولية سواء على مستوى تمويل المشاريع أو على مستوى التبعية التكنولوجية أو على مستوى استيراد المعامل الجاهزة { تقسيم العمل / أي بيع المعامل الجاهزة مع الاحتفاظ بالصيانة وذلك من طرف الدول المصنعة والغنية للدول الفقيرة أو دول العالم الثالث دون تزويد الدول المستوردة بكيفية أو طرق صناعة هذه المعامل وعدم إعطائها التكنولوجيا والاقتصار فقط على كيفية استخدامها } .

يقول أحد الباحثين " في هذا الاطار يعتبر تدويل أو عولمة الرأسمال ما هو إلا السياق التوسعي الحتمي للرأسمال في أبعاده الاجتماعية والجغرافية ، والهدف منع إعادة هيكلة نمط الانتاج الرأسمالي على الصعيد العالمي . وهو نفس السياق الذي عرفته البلدان المتخلفة " يهم المنتجات الموجهة نحو التصدير أو نحو الوحدات الصناعية الغذائية . ويعتبر الرأسمال الأجنبي هو المسؤول عن ظهورها والمتحكم في سلاسل إنتاجها ؛ وبتدخله هذا يقوم بحث ( تتبع ) الرأسمال الأجنبي والعمومي على المساهمة في عملية الاستثمار الفلاحي ؛وبحث الحكومات في الاستثمار في التجهيزات التحتية أو الأساسية وفي المواد الكيماوية والآلات الموجهة نحو الفلاحة ؛ كما يشجع القطاع الخاص على تبني استراتيجية تقوم على الامتيازات والتشجيع.

ويُفًّسرُ استقرار الرأسمال الدولي ومساهمة فروع الشركات المتعددة الجنسية في الدول المتخلفة 

ü أولا لضعف الأجور الممنوحة لقوة العمل ووفرتها { اليد العاملة } ؛ 

ü ثم بضعف أثمان المنتوجات الفلاحية الموجهة نحو التصنيع والتصدير ؛ 

ü وكذلك بالدور الذي تقوم به الدولة للحفاظ على أثمان المنتوجات الفلاحية في حدها الأذنى { الدولة لها دور الضبط = سياسي } 

ü هذا فضلا عن الامتيازات التي تمنحها قوانين الاستثمارات الصناعية و الفلاحية المتمثلة في تسهيل عملية تحويل الراساميل والأرباح والتكنولوجيا في الاتجاهين .

لكل هذه الأسباب أو الحيثيات يجب أن تنصب مجهودات بلدان العالم الثالث على بلورة أنساق داخلية للتنمية غير المحكومة ومتحررة نسبيا من القيود الخارجية ، وترتكز كذلك على توسيع وتنويع الاستثمار الوطني في الفلاحة والصناعة بقصد الرفع من الطاقة الانتاجية .

II- الضغط الديمغرافي 

تقترن فلاحات العالم المتخلف بضغط ديمغرافي كبير بمعنى أن المجال القروي يتحمل ثقلا سكانيا كبيرا ؛ وقد انتقل عدد سكان العالم القروي من 2 مليار 38 مليون 538 ألف 449 نسمة { 2.038.538.449} ( اي حوالي 2 مليار و 9 مليون نسمة ) سنة 1960 إلـــــــــــــى حوالي 3 مليار و 400 مليون نسمة سنــــة 2010 { 3.400.000.000 } أي بزيادة مطلقة تقدر مليار و 861 ألف نسمة { 1.310.861.000 } . هــــــــــــــــذا يعني أن العالم القروي مازال يحتفظ بنسبة عالية من السكان حوالي %60 من المجموع ؛ وقد تصل هذه النسبة إلى 80% بافريقيا السوداء وجنوب آسيا . ويُعتبر الضغط الديمغرافي هذا أهم العوامل المسؤولة عن الديناميكية التي تعيشها أرياف العالم الثالث 

ويستدل على هذا الباحث BOZERUPE صاحب نظرية الضغط التي تعتمد على كل الابتكارات التقنية التي تمت خلال قرون كانت نتيجة للضغط السكاني ولم تكن الساكنة الريفية ثابتة في الماضي وإنما عرفت تذبذبا في تطورها عبر التاريخ إذ شكلت الكوارث الطبيعية العامل المسؤول عن التوازن في عدد السكان والموارد الطبيعية . لهذا يلجأ ون إلى عدد من المدن إما بابتكار حلول تقنية أو تكييفها للزيادة الانتاج أو توسيع المجال الفلاحي أفقيا للتخفيف من الضغط السكاني ومن تبعاته الاقتصادية والاجتماعية أو الهجرة نحو المدن .

III- النفود المتزايد للمدن ////// فقرة غير موجودة انظر: polycope

IV- نتائج اقتصادية واجتماعية محدودة 

أحدث اقتحام التقدم التكنولوجي والبيولوجي للمجال القروي ؛ بالإضافة إلى تعميم نتائج البحث العلمي على مقياس جغرافي أكبر وإدخاله في سياق الانتاج الفلاحي : 

تغييرا عميقا للمشاهد الزراعية التقليدية ؛

وتغيير للعادات الفلاحية ؛ 

هذا فضلا عن إقناع الفلاحين بفعالية و نجاعة الاكتشافات الجديدة . 

تم هذا عن طريق الارشاد الفلاحي نظرا للحاجات المتزايدة للفلاحة من عوامل الانتاج أي : الراساميل و المكننة و اليد العاملة و حجم الملكية . غير أن هذا التطور لم يكن موحدا فقد بقي مبتورا لاقتصاره على بلدان الغرب المتقدم ، وبطيئا وانتقائيا في كل من افريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية .

v أما في ما يتعلق بالإصلاحات السياسية الزراعية فقد كانت حصيلة التجربتين معا { الاشتراكية و الليبرالية } مخيبة للآمال تجسدت في فشل النموذج الاشتراكي تمثل في : 

o صعوبة تمويل الاصلاحات أي ضعف الاستثمارات الوطنية الموجهة للمجال الريفي .

o يُضاف إلى هذا ضعف إنتاجية العمل 

o و المردودية الاقتصادية في القطاع الفلاحي 

o و صعوبة تسيير وتدبير المقاولات الفلاحية الكبرى . 

ستؤدي هذه الأسباب إلى مأزق سياسي حقيقي سيترتب عنه انهيار و إفلاس بعض التجارب / التجربة السوفياتية . مراجعة التجربة الصينية تمثلت في عملية تراجع وعن تأميم ملكيات الأراضي وتبني الملكية الخاصة أو الفردية من جديد ؛ أو مراجعة نظام التسيير الذاتي – الجزائر سنة 1987 عن طريق توزيع أراضي التعاونيات الاشتراكية على ملاكيها الأصليين أو وضعها للكراء رهن إشارة الفلاحين [ نتائج التجربة الأولى = الاشتراكية ] .

v أما في التجربة الثانية [ الليرالية ] فلم تتم معالجة مشاكل العالم القروي بشكل جذري في البلدان ذات التوجه الليبرالي ، وإنما تمت ملامستها فقط بسبب العجز الموضوعي للدولة 

o أولا : لاستجابة الطلب المتزايد عن الأراضي المحدودة أصلا ؛

o وكذلك بسبب التركز العقاري ؛

o وكذلك النفود السياسي للملاكين الكبار لأنه من الصعب استئصال الملكية الكبرى التي مازالت متجذرة في البنيات الزراعيـــــــــة . مـثـــــــــــــــــلا في الهند لم تقم الدولة إلا بتوزيع %2 من أراضي الصندوق الزراعي ؛ أضف إلى هذا مشكل تمويل الاصلاحات الزراعية التي واجهت كل الحكومات بدون استثناء جراء ضعف الرأسمال الوطني ؛ وضعف اتخاذ الادخار ؛ وارتفاع المديونية . 



لقد تطلب الاصلاح الزراعي إمكانيات مالية كبيرة لانجاز البنى التحتية الثقيلة ؛ والعم اللوجيستيكي ؛ والتقني للمستفيدين الجدد ؛ ولإقامة نظام عقاري جديد أو لتعويض الملاكين الذين صُودرت أراضيهم في إطار الاصلاح .
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة